تتعرض حكومة الائتلاف في إسرائيل التي تعد الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، لانتقادات واسعة على خلفية اقتراحها إصلاحات من شأنها إضعاف السلطة القضائية وإلغاء آليات الرقابة الداخلية، كما أثارت هذه الخطوة احتجاجات تعتبر من أضخم التحركات التي شهدتها إسرائيل في تاريخها، وليس هذا فقط ما تتحرك فيه الحكومة الحالية لكنها تسير في اتجاه اكثر خطورة وهو تغيير بيروقراطي لم يستقطب أي اهتمام حتى الان.
عندما فازت أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل بغالبية برلمانية في نوفمبر الماضى قامت بتعديل بعض قوانين الأساس الحكومية التي تعتبر أشبه بدستور إجمالاً، بشكل يتيح لها أن تعين وزيرا جديدا خاصاً ضمن إطار وزارة الدفاع لتسلم بعض السلطات المدنية المنظمة لأوجه الحياة في الضفة الغربية، بعد أن كانت في السابق من اختصاص جيش الدفاع الإسرائيلي حصراً.
ويرقى هذا التغيير الإداري إلى مستوى إعلان إسرائيل سيادتها على الضفة الغربية، في انتهاك لما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة من حظر لغزو الأراضي وقضمها. حتى ان ثلاث منظمات إسرائيلية رائدة في مجال الحقوق المدنية وحقوق الإنسان اكدت أن هذا التغيير البيروقراطي يرقى إلى تقنين ضم الضفة الغربية.
ويبدد هذا الانتقال في السلطات وهم كون الاحتلال للضفة الغربية أمراً موقتاً، كما يزيد ترسيخ نظام قانوني مزدوج وغير متساو للإسرائيليين والفلسطينيين، ويوطد السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الضفة الغربية.
وفي الحقيقة، يعتبر بسط النفوذ الإسرائيلي وإمساك تل أبيب بمقاليد السلطة هناك تتويجاً لعقود من السياسات التي أحكمت سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، لكن الحكومة الحالية تجاوزت الآن حدوداً تمثل تغييراً هائلاً لدرجة انه ما عاد لإسرائيل أي حاجة الآن إلى الإعلان رسمياً عن ضم الضفة الغربية.
لا شك ان تغيير سلطة الاحتلال سيؤثر على سير الحياة اليومية للفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية. وطبقا لهذا التغيير سيترأس الوزير المدني "سلطة مستوطنات" لادارة شؤون اليهود فيما يظل الفلسطينيون خاضعين للسلطة العسكرية. وترسخ هذه الخطوة تفوق مكانة المستوطنين في الضفة الغربية. فمثلاً، سيستمر جيش الدفاع الإسرائيلي بتحديد كميات المياه المخصصة للفلسطينيين بينما تسيطر السلطة المدنية الجديدة على كمية المياه المخصصة لليهود، مما يسهل توزيع المياه بشكل غير عادل على الطرفين. وستعزز السلطة المدنية وتسمح بالاستيطان وإرساء البنى التحتية الخاصة بالمستوطنين اليهود، في انتهاك أساسي للقانون الدولي الذي يحظر إرساء حكم مدني على أراض محتلة. فبعد انتهاك إسرائيل بند الحظر الدولي الأساسي، ستتغاضى هذه السلطات الجديدة عن كل القيود التي يفرضها القانون الدولي. وسيمتلك الوزير الجديد صلاحية تخصيص الأراضي وتخطيطها، كما سيسيطر على الطاقة وترددات الاتصالات. وستعود إليه صلاحية تقرير من يمكنه بناءه من منازل ومدارس وبنى عامة جديدة، وأي التجمعات التي سيتم هدمها مستقبلا - وهذه صيغة ترمي إلى توسيع المستوطنات اليهودية وقمع حياة الفلسطينيين.
وما يفاقم تداعيات هذا التغيير هو عقيدة الوزير المدني الذي وقع عليه الاختيار لتبوء هذا المنصب. فالرجل الذي طالب بتسلم هذه المهة هو بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل أيضاً منصب وزير المالية الإسرائيلي ويقود أكثر أحزاب البلاد إيماناً بتفوق اليهود بشكل معلن. شق الرجل درب مسيرته السياسية بناءً على عنصريته ضد العرب.
بالفعل ترغب بعض الأطراف السياسية والحزبية في إسرائيل في ضم الضفة الغربية، ولكن الحكومة الإسرائيلية الحالية لم تعلن رسميا عن أي خطة رسمية لضم الضفة الغربية، وتتمسك باتفاقيات أوسلو السابقة التي تنص على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل.
الحكومة الإسرائيلية قامت بالفعل بتطبيق بعض الإجراءات التي تشمل توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وبناء الجدار الفاصل، وهذا يثير مخاوف الفلسطينيين والمجتمع الدولي بشأن إمكانية ضم جزء أو كامل الضفة الغربية في المستقبل.
من المهم الإشارة إلى أن الضم الكامل وغير القانوني للضفة الغربية سيكون له تأثير كبير على الوضع السياسي والأمني في المنطقة، ويعارضه الفلسطينيون والمجتمع الدولي بشدة. وبدلاً من ذلك، يجب ان يتم التركيز الجهود الدولية على تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة من خلال التفاوض والحوار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.